لكل من يرغب بتغيير نفسه ولا يستطيع.. ثلاثة مبادئ تقود العقل والسلوك معًا

الخوف.. الدافع الأبرز للتغيير، سواء كان التغيير على سبيل التراجع أو التقدم، وهذا ليس فقط على المستوى الفردي، فنداء الخوف والتحذيرات الهادفة لإشعال ناره هي وسيلة شائعة في الحملات والسياسات الصحية. “التدخين يسبب الوفاة المبكرة” جملة اعتادت عليها غريزتك في كل مرة تفتح فيها علبة السجائر لتبدأ التدخين.

فنحن نفترض أنه من خلال إثارة الخوف سيميل الناس إلى التصرف الحاسم، لكن يبدو أن الهدف بإقلاعك عن التدخين لم تحققه هذه التحذيرات، فالعلم يُظهر أن طريقة التهديد والتخويف لها تأثير محدود على تغيير السلوك، لذلك تقترح “تالي شاروت” الأستاذة المشاركة في علم الأعصاب الإدراكي في جامعة كوليدج لندن أنه بدلًا من استخدام التحذيرات يجب علينا تنفيذ ثلاثة مبادئ تقود العقل والسلوك معًا وهي: الحوافز الاجتماعية والمكافآت الفورية ومراقبة التقدم.

 

الحوافز الاجتماعية

عندما تثير خوف حيوان ما فإن الاستجابة الشائعة هي الفرار، وهذا حال الإنسان، الهروب ومحاولة القضاء على المشاعر السلبية وإلقاء الكم الهائل من التبريرات هي طرقه للاستجابة عند الخوف.

سأفسّر ذلك بشكل أوضح، إذا كنت مدمن تدخين قد تقول لنفسك: “لقد دخّن جدي السجائر منذ زمن وعاش حتى بلغ التسعين من العمر، لدي جينات جيدة حقًا ولا داعي للقلق على الإطلاق” فجميعنا يستطيع تبرير التحذيرات من خلال إخبار أنفسنا “كلنا سنموت يومًا ما، استمتع بشبابك يا فتى ولا تبالي”.

فالناس اجتماعيون بطبعهم، والغالبية تهتم بما يفعله الآخرون وتريد فعله بشكلٍ أجمل، ومن خلال رؤية الغير يقوم بأشياء إيجابية فإننا نميل إلى فعل الشيء نفسه وأفضل، فالصور الرسومية والكلمات التحفيزية لا تمنع المدخنين من التدخين.

فقد وجدت إحدى الدراسات أن النظر إلى تلك الصور جعل الإقلاع عن التدخين أولوية أقل للمدخنين، وبالتالي فإن التهديد والتحذير له تأثيرات محدودة للغاية.

تم إجراء دراسة من قبل الدكتور “ميكا إديلسون” أظهرت إشارة في المركز العاطفي للدماغ عندما نسمع رأي الآخرين بنا. وما وجدناه هو أن هذه الإشارة يمكن أن تتنبأ بمدى احتمالية تغيير سلوكك في وقت لاحق، ولذلك في تجربة نفسية مميزة قامت بها إحدى الحكومات الأوروبية باستخدام هذا المبدأ لمصلحتها، حثّت الناس على دفع الضرائب في الوقت المحدد من خلال رسالة أرسلوها إلى الأشخاص الذين “نسوا” أو “تناسوا” دفع الضرائب، وقد احتوت الرسالة على جملة واحدة: “تسعة من كل عشرة أشخاص في بلادنا يدفعون ضرائبهم في الوقت المحدد”، حيث إن إبراز ما يفعله الآخرون هو حافز قوي حقًا.

 

مكافآت فورية

تم إجراء تجربة في إحدى الجامعات البريطانية حيث طُلب من حوالي 100 شخص تقدير احتمالية وقوع 80 حدثًا سلبيًا مختلفًا قد يحدث لهم في المستقبل، على سبيل المثال تم طرح السؤال التالي “ما هو احتمال أن تعاني من ضعف السمع في المستقبل؟” ولنفترض أن توقعك كان حوالي 50%، ثم تم إعطاء رأي خبيرين مختلفين، الخبير “أ” يقول: “بالنسبة لشخص مثلك، أعتقد أن النسبة هي 40% فقط.” لقد أعطاك نظرة وردية لمستقبلك، أما الخبير “ب” فيقول: “كما تعلم بالنسبة لشخص مثلك أعتقد أن النسبة تبلغ 60%” لقد أعطاك هذا الخبير نظرة قاتمة لمستقبلك. خرجت التجربة بنتيجة أن الناس يميلون إلى تغيير معتقداتهم نحو الرأي الأكثر استحسانًا، بمعنى آخر، يستمع الناس إلى الأخبار الإيجابية، فيميلون إلى المعلومات التي يريدون سماعها محاولين الهروب من المعلومات التي لا تعجبهم.

ولكن ماذا سيحدث إذا كافأت الناس الآن على القيام بأعمال مفيدة لهم في المستقبل؟ إن الاكتفاء برؤية الأشخاص الآخرين يفعلون الأشياء الجيدة ليس كافيًا لتغيير سلوكنا وتحفيزنا على فعل الشيء نفسه، فالدماغ يحتاج إلى مكافآت وبصراحة فهو يفضل المكافآت الفورية.

لذلك بين الحصول على مكافأة فورية كتناول قطعة فاخرة من الشكولاته، ومكافأة مستقبلية وهي دوام الصحة والعافية والتي قد تحدث أو لا، سيتجه الدماغ إلى الخيار الأول، فأنت تختار شيئًا مؤكدًا الآن بدلًا من شيءٍ غير متأكد من حدوثه في المستقبل.

أكّدت التجارب والدراسات على أن إعطاء الأشخاص مكافآت فورية يجعلهم أكثر قابلية للإقلاع عن التدخين مثلًا، كما يمكن أن يزيد من احتمالية البدء في ممارسة الرياضة على أن يستمر هذا التأثير لمدة ستة أشهر على الأقل، وبما أن الإقلاع عن التدخين أصبح مرتبطًا بمكافأة وممارسة الرياضة أصبحت مرتبطة بمكافأة، ستصبح هذه العادات هي أسلوب حياة، لذلك يمكننا أن نكافئ أنفسنا ونكافئ الآخرين الآن عند التصرف بطرق مفيدة لنا في المستقبل، وهذه هي الطريقة الأمثل لسد الفجوة الزمنية.

رصد التقدم

تُظهر الدراسات الحديثة أن النشاط الدماغي يوحي بترميز فعال للمعلومات الإيجابية عن المستقبل، لكنه لا يقوم بعمل جيد في معالجة المعلومات السلبية، فماذا يعني هذا؟

إذا كنت تحاول جذب الانتباه أو التحفيز للإقدام على فعل معين، فالأجدر بك إبراز التقدم وليس التراجع، فعلى سبيل المثال، إذا تعاملت مع شخص اعتاد على تناول الوجبات السريعة باستمرار، فبدلًا من أن تقول له: “تناول هذا النوع من الطعام سيسبب لك السمنة المفرطة والمشاكل الصحية الخطيرة”، قل له “كما تعلم، إذا توقفت عن تناول الوجبات السريعة ستصبح أفضل في أداء المهام وأكثر رشاقة”، سلط الضوء على التقدم وليس التراجع.

الخلاصة

الإبلاغ عن المخاطر هي أحد وسائل تثقيف الناس، لكن أثبت العلم أن استخدام القوى الإيجابية للحث على التغيير السلوكي أكثر فعالية على المدى الطويل، فعلى الرغم من عدم وجود حل واحد يناسب الجميع إلا أن الخوف يميل إلى حث الآخرين على التقاعس عن العمل، بينما الإثارة والتحفيز الإيجابي يحثهم على الإقدام الجدّي في اتّخاذ القرار وتغيير السلوك.

النضال من أجل التغيير بالوسيلة التي تناسبنا هي تجربة إنسانية مشتركة صعبة، فالعديد من الخطوات العملية والعلمية المطلوبة ليست سهلةً وممتعةً، مما يجعل الدافع بمثابة التحدّي، لذا اجلس مع نفسك وفكّر مليًّا لتحديد التناقضات بين كيف تريد أن تكون حياتك وكيف هي الآن، وكن مستعدًا وقادرًا وحاضر الذهن لكي تنجح في التغيير.

المصدر: أرجيك