غلاء الأدوية وتكاليف العلاج ينعش سوق “الطب العربي” في سوريا

شهد الطب العربي والتداوي بالأعشاب، انتشارا واسعا لدى فئات المجتمع السوري، خلال السنوات السابقة.

وترافق ذلك مع ارتفاع كبير في أسعار الأدوية المستوردة والمصنعة محليا، وندرة بعضها بسبب الحرب و”الحصار الاقتصادي” الذي تعاني منه البلاد.

ورغم أن إحصائيات وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام تؤكد وجود 96 معملا لصناعة الأدوية، تنتج أكثر من 6 آلاف منتج تعالج مختلف الأمراض، إلا أن الغلاء وتدنّي دخل الفرد إلى 30 دولارا في الشهر، جعلا المرضى يعانون جدا في شراء الدواء.

وللتغلب على ذلك، قرر الكثيرون اللجوء إلى الطب العربي كخيار بديل. ففي سوق ”مدحت باشا“ بدمشق، حيث تتركز معظم محلات الأعشاب الطبية، يشهد طب الأعشاب إقبالا متزايدا من قبل المرضى. فهو أقل سعرا من الأدوية الكيماوية التي تتعرض للغش بسبب شحّ المواد الأولية في المعامل.

من هذه المحلات يشتري الناس خلطات الأعشاب المخصصة لعلاج القولون العصبي، والديسك وتفتيت الحصى المتكونة في الكلية. حتى مرضى نقص التروية وضعف القلب، يمكنهم شراء ثمرة ”شغف“ لتنشيط الدورة الدموية، كما يمكن إجراء عمليات ”الحجامة“ التي يعتقد الكثيرون أنها تشفي من كل الأمراض.

وتقول المسنّة أم وليد لـ“إرم نيوز“: ”اضطررت إلى ترك دواء السكري بسبب ارتفاع سعر العلبة إلى ثلاثة عشر ألف ليرة، ولجأت إلى خلطة الأعشاب التي لا يتجاوز سعرها ثلاثة آلاف ليرة، والآن أنا في وضع مستقر بإذن الله“.

وبعض المرضى، مقتنعون بالطب العربي ويرونه أفضل من العقاقير الكيماوية، ويبرهنون على ذلك بما ورثوه من قصص الأجداد الذين اعتمدوا الأعشاب والمستحضرات الطبيعية للعلاج.

بدوره قال أبو جابر: ”أنقذتني خلطة الأعشاب من آلام القولون العصبي. وقد أتيت بأخي الذي يعاني من مشكلات بولية، تغلّبَ عليها بفضل عشبة القرّيص بعد ثلاثة أشهر من العلاج. لقد أثبتت التجارب أن الطب العربي أكثر فائدة من العقاقير الكيماوية“.

وفي العام الماضي رفعت حكومة النظام أسعار الأدوية استجابةً لمطالب المنتجين، وبعد أن توقفت بعض المعامل نتيجة الخسارات التي لحقت بأصحابها. لكن ذلك لم يمنع من ارتفاعات لاحقة بسبب قلة الإنتاج وتصريف قسم كبير منه في السوق السوداء.

وقبل عام 2011، احتلت سوريا المرتبة الثانية في تصدير الدواء عربيا بقيمة وصلت إلى 210 ملايين دولار، تبعا لأرقام الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية. لكن هذا الإنتاج تضرر كثيرا بسبب الحرب وتراجع قيمة الليرة وخروج بعض المعامل من الخدمة وارتفاع تكلفة الإنتاج.

ويلجأ الكثيرون إلى الطب العربي اليوم، استنادا إلى قاعدة ”مكره أخاك لا بطل“. خاصة عندما يتطلب الأمر عملية جراحية مرتفعة التكاليف. فالمرضى يشككون بدوافع الطبيب المادية، ويفضلون استنفاد أساليب الطب العربي؛ أملا بالشفاء من دون جراحة.

وتحكي لنا ”أم وليد“ عن ابنها الذي نجا من عملية ”الديسك“ عندما تعالج باللصاقات التي صنعها العطار مع المساجات والأعشاب. وتقول: ”إن طمع الأطباء بالمرابح المادية جعلهم يدفعون معظم المراجعين إلى غرف العمليات“.

وطالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية، حكومة النظام برفع الأسعار نهاية العام الماضي بنسبة 70%، لكن الحكومة لم توافق سوى على 30% فقط؛ وهو ما دفع رئيس المجلس للقول إن هذه النسبة غير منصفة للواقع الدوائي وتهدد بخفض الإنتاج أو توقفه في المستقبل.

وفيما يشكو أصحاب المعامل من غلاء المواد الأولية ويطالبون دائما برفع الأسعار، تبدو الحكومة عاجزة عن توفير الدواء بسعر يناسب دخل المواطن لديها. هكذا يبدو الطب العربي خيارا حتميا لأناسٍ لا يؤمّنون لقمتهم اليومية، إلا بشقّ الأنفس.