ما لا تعرفه عن الأقصى.. سمي ثالث الحرمين ورابطت في رحابه ألف امرأة وتميز بسابقة فريدة ومعالم خالدة

الأقصى عبر التاريخ.. سمي ثالث الحرمين ورابطت في رحابه ألف امرأة وتميز بسابقة فريدة ومعالم خالدة

يعدّ المسجد الأقصى ثاني مسجد وُضع للناس في الأرض بعد المسجد الحرام بمكة؛ و ألف امرأة.. كُنَّ يُرابطْنَ في رحابه عابداتٍ قانتاتٍ عالماتٍ ومتعلماتٍ.

و أول ما يلفت النظر في تاريخ المسجد الأقصى هو كيفية اتخاذ قرار تنفيذ أول مشروع لتطوير بنائه في التاريخ الإسلامي.

فقد كانت إقامة قبة الصخرة في المسجد الأقصى بمشورة طلبها الخليفة حينها من المسلمين، فجاء تشييدها بمشاركة من الأمة وربما بـ”إجماع” منها آنذاك.

ولعلّ أول ما يُذكر في منزلة المسجد الأقصى العملية في قلوب المسلمين فهو عراقة ما ألّفه العلماء المسلمون في فضل المسجد الأقصى.

إذ التأليف في فضائل بيت المقدس قرينٌ لتاريخ التدوين الإسلاميّ برمّته، فأول كتابٍ في ذلك صنّفه بشر بن إسحق البلخي (ت 206هـ/831م) بعنوان: “فتوح بيت المقدس”ز

أما أول كتابٍ صُنِّف باسم “فضائل بيت المقدس” فهو للوليد بن حمّاد الرمليّ (ت نحو 300هـ/912م)، وهو معاصرٌ لأصحاب الكتب الستة وقد ترجم له الإمام الذهبي (ت 748هـ/1347م).

و من الناحية العملية فأول ما يُذكر في منزلة بيت المقدس من قلوب المسلمين هو ما بُذل في بنائه وعمارته وزينته.

ومِمّا يُسجّل هنا للمسجد الأقصى أن أول مشروع تطويري لبنائه بُني بقرار من الأمّة ولم تنفرد بشرف تعميره السلطة وحدها.

وكانت العناية بالمسجد الأقصى تكْبرُ وتزداد، حتى جزم العُليمي بتفوّق المسجد الأقصى على جميع مساجد عصره من حيثُ المساحة والعمران.

أما على مستوى تعهده بأنواع الزينة والاحتفاء؛ فإن المسجدُ الأقصى زُيِّن -منذ بنائه- بأعدادٍ كبيرة من القناديل المعلّقة بسلاسل الذهب والفضّة متعددة الأحجام والأوزان.

وظل الأمر كذلك حتى وقت متأخر نسبيا وهو القرن التاسع الهجري/الـ15 الميلادي.

ويذكر شمس الدين الأسيوطي (ت 880هـ/1475م) -في ‘إتحاف الأخِصّا بفضائل المسجد الأقصى‘- أن فيه “من السلاسل للقناديل أربعمئة سلسلة إلا خمس عشرة، منها مئتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد، والباقي في قبة الصخرة، وذرْعُ السلاسل أربعة آلاف ذراع (الذراع = 53سم تقريبا)، ووزْنها ثلاثة وأربعون ألف رطل بالشامي (= نحو 1900 غرام)، ومن القناديل خمسة آلاف قنديل”!!

وهذه القناديل من الذهب والفضّة لم تكن مجرّد إضاءة ولا زينة، بل كانت تُعدّ ثروةً في نفسها، لم يغفل الغُزاة عن قيمتها فانتهبوها في كل احتلال يبتلى به الأقصى والقدس الشريف. فأبو الفرج ابن الجوزيّ (ت 597هـ/1201م) يذكر مثلا -في ‘المنتظم‘- أن الصليبيين حين احتلوا القدس والأقصى سنة 492هـ/1099م “أخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضة، كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمئة درهم (= قيمتها اليوم 4500 دولار تقريبا)، وأخذوا تنور فضة وزنه أربعون رطلا بالشامي، وأخذوا نيفا وعشرين قنديلا من ذهب”!!

وأهمّ معالم الأقصى العمرانية؛ فإنه إذا ذكُر المسجد الأقصى اليوم فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو صورة “مسجد قبة الصخرة” المشرّفة الأزرق ذي القبة الذهبية، إلا عند العامة من أهل القدس فإنهم تنصرفُ أذهانهم إلى “المسجد القِبليّ”.

والحقيقة خلاف هذا وذاك؛ إذْ يقول العُلَيمي إن “المتعارَف عند الناس أن الأقصى -من جهة القبلة- الجامعُ المبني في صدر المسجد الذي به المنبر والمحراب الكبير، وحقيقة الحال أن الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور”!

وهذا الذي قاله العُليمي هو المعتمد اليوم عند المتخصصين، وصار معروفًا لكثيرٍ من العامّة بسبب التوعية المتكررة به. وفيما يلي محاولةٌ لوصف أهمّ معالم المسجد الأقصى بين الأمس واليوم، بالاعتماد على الوصف البديع التفصيلي الذي أودعه العُلَيمي كتابه ‘الأنْس الجليل‘:

إلى جانب العمارة الإنشائية والخدمية للمسجد الأقصى بمرافقه وملحقاته المتعددة؛ نجد نمطا آخر من العناية ذا صلة أكبر بالمكانة المقدسة لهذا المسجد الشريف، وهو ما يمكن تسميته بـ”العمارة النُّسُكية” التعبدية التي تتجاوز الحرص على الشهود اليومي للصلوات الخمس فيه إلى ربطه ببعض أركان الإسلام الأخرى كالحج والصيام.